الجمعة، 10 يونيو 2011

سيارة


لأنها طالما أحست أنها الأضعف لذلك كانت تحرص أن تجلس بالصفوف الأمامية في أي مكان... وهاهي بإمكانها إصدار الأحكام علي من حولها ... بعد أن كانت دوما المتهم الذي يسعى لإثبات براءته ....ورغم ذلك كانت تعاني إحساسا لا تدرك أبعاده ...حاولت أن تتجاوزه لتري نفسها بطلة يمكنها أن تضع الكلمات علي شفاهها كيف تشاء بعد أن تجاوزت صمتا استمر أكثر من ثلاثين عاما .

فتلك الملامح الرقيقة الناعمة كانت تخفي صراعها الذي لا ينتهي مع ضعف حالها اجتماعيا وماديا ... أضف إلي ذلك تفضيلها للمياه الراكدة التي لا يبدو لها عمقا أو أبعاد.

لم تكن أحلامها سوي بيت بسيط تعيش فيه مع عائلتها الصغيرة ، لتتحرر من ذلك النفور الذي عاشته بكل تفاصيله بين أبيها وأمها تلك المرأة التي طالما تمنت هي الأخرى لكن الواقع كان أبسط بكثير مما تمنت ، وهاهي تتجاوز الخمسين و ابنتها الثلاثين ولا تجد كل منهما مساحة من تلك الأحلام .

لذلك حاولت الابنة بقوة أن تحقق حلمها ولم لا فمازال لديها من الفرص الكثير ، رغم أن زواجها الأول الذي كان هو الأخر محاوله للخروج من تلك الدائرة ... لم يكن سوي مساحة من الصد والهجر فالزوج - ابن العم – كان الأنسب فهو ميسور الحال لأن شهادته في الكيمياء منحته أعمالا كانت تدر عليه الأموال والسفر ليتركها ويعود حاملا بعض الهدايا والنقود فلم يكن يملك سواهما .

واحتملت سنواتها الخمس العجاف ، لتسعي في ذات الوقت نحو أخر يروي ظمأ مشاعرها ورغباتها المحترقة فترتمي بين أحضان هذا مرة وذلك مرات .

إلي أن وجدته .. يماثلها في الضعف والحلم وقد احتمل ظروفها حتى حصلت علي الطلاق ... الآن أصبح بإمكانها أن تري وجها أخر للحياة فقد تزوجت بمن يمكن أن تدفعه خطوات بعقلها الباحث عن الاستقرار والبيت البسيط .

أصبحت تري نظرة ترحيب أكثر مما هو معتاد بعد أن كان من حولها يكتفون بسلام عابر لا ملامح له فهي من وجهه نظرهم لم تكن سوي الصامتة الا فيما ندر.... ، وهاهم الآن فقط يعترفون بقدراتها التي لا تخطئها العين .... فهي خريجة كلية مرموقة تؤدي كل ما يوكل إليها بإتقان أملا أن تجد من يشعر بها .

لكنها اليوم تشعر انه ليس عليها أن تتقن عملها فحسب ، فلتخرج متألقة كعادتها ترتدي ثيابها البسيطة ذات الألوان الهادئة التي تعكس حلمها بالبيت ..... وعليها أن تغير من نبرات صوتها فلتكن حادة وأحيانا مرتفعة... فهي علي وشك إنجاب طفلها الأول ومتزوجة من الرجل الذي أحبته وتعلقت به .. ولما لا وقد حقق مطالبها البسيطة .

أما عقلها فيفكر في لون السيارة التي سيأتي بها زوجها بعد أن حصلا علي القرض ... لم لا تنظر نحو السماء التي تشعر الآن أن بإمكانها أن تلمس نجومها ..... وهاهي تسرع في خطواتها لتجيب رنين الهاتف

الو ... العربية لونها إيه ؟ .... اخضر جميل ربنا يجعل أيامنا كلها خضرا ...تغلق الهاتف لتسرع إلي الشباك... تنظر إلي السيارة وعيناها لاهثة تتأمل ملامح اللون والإطارات... تلمح جارتها تلك المرأة التي تلقبها بالمغرورة... فتحييها وتلفت نظرها إلي السيارة وكأنها تسعي لكسر مساحه من تعاليها ... فتجيبها الجارة بنبرتها المتعالية المعتادة : مبروك ... يوسد مش كده .. فتشعر أنها لم تغادر قط بيت أبيها.....وترد آه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق